البدایة النصیة فی الخطاب الأدبی: قصیدة «غبار القوافل» لمحمود درویش نموذجاً

یتضمن النص الأدبی مناطق استراتیجیة مهمة تضطلع بمهمة الکشف عن أسراره و جمالیاته، کالعنوان و البدایة و الخاتمة، و تعد البدایة أهم تلک المناطق؛ کونها تؤسس النص من حیث إنها العلامة اللغویة التی تتناسل منها دلالات النص، فالوقوف علی أسرار البدایة النصیة یکشف عن کیفیة تشکیل الدلالات، و من جانب آخر فإنها اللقاء الأول بین النص والقارئ بعد العنوان. لذلک تسعی هذه القراءة إلی استنطاق قدرة البدایة علی تأسیس النص؛ أهی قادرة علی تأسیسه أم أنها مجرد علامة لغویة کغیرها من علامات النص؟ وإذا استطاعت تأسیس النص، فکیف تتشکل الدلالات النصیة إذن؟ تفترض القراءة الراهنة أنَّ البدایة قادرة علی تشکیل الدلالات النصیة، من حیث إنها العلامة التی تتشظی منها علامات النص جمیعاً بنیةً ودلالةً. و قد اعتمدتْ هذه القراءة علی المنهج السیمیائی الذی یدرس التعالق بین علامات النص بوصفها شبکة متکاملة. وسعیاً للکشف عن أسرار البدایة تمَّ إخضاع البدایة النصیة فی قصیدة الشاعر محمود درویش (غبار القوافل) للمساءلة؛ للکشف عن قدرتها علی تأسیس النص. فبدا أنها بدایة متعدیة، تؤسس النص بنیةً و دلالةً؛ فمن حیث البنیة ظهرت مفردات البدایة بلفظها أو بما یرادفها فی ثنایا النص، ومن حیث الدلالة استمدت ثیمات النص جمیعاً دلالاتها من النواة القائمة فی البدایة المتمثلة فی البؤرة: النسیان، وتعددت العلاقات القائمة بین البدایة وثیمات النص بین علاقة العموم بالخصوص، والترمیز، والتحویل وسوی ذلک من العلاقات التی تدل بوضوح علی الترابط المتین بین الطرفین.